فصل: الفصل الثالث من الباب الثاني من المقالة الأولى في الهجاء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الفصل الثالث من الباب الثاني من المقالة الأولى في الهجاء:

وفيه مقصدان:

.المقصد الأول في مصطلحه الخاص:

وهو على ضربين:
الضرب الأوّل: المصطلح الرسميّ:
وهو ما اصطلح عليه الصحابة رضوان الله عليهم في كتابة المصحف عند جمع القرآن الكريم، على ما كتبه زيد بن ثابت رضي الله عنه، ويسمّى الأصطلاح السّلفي أيضاً، ونحن نورد منه ما جرّ إليه الكلام، أو وافق المصطلح العرفيّ.
الضرب الثاني: المصطلح العروضيّ:
وهو ما اصطلح عليه أهل العروض في تقطيع الشعر؛ واعتمادهم في ذلك على ما يقع في السمع دون المعنى، إذ المعتدّ به في صنعة العروض إنما هو اللفظ، لأنهم يريدون به عدد الحروف التي يقوم بها الوزن متحرّكاً وساكناً فيكتبون التنوين نوناً، ولا يراعون حذفها في الوقف، ويكتبون الحرف المدغم بحرفين، ويحذفون اللام وغيره مما يدغم في الحرف الذي بعده: كالرحمن والذاهب والضارب، ويعتمدون في الحروف على أجزاء التفعيل، فقد تتقطع الكلمة بحسب ما يقع من تبيين الأجزاء كما في قول الشاعر:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ** ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

فيكتبونه على هذه الصورة:
ستبدي لكالأييا مماكن تجاهلن ** ويأتي كبالأخبار ملّم تزوّدي

.المقصد الثاني في المصطلح العام:

وهو ما اصطلح عليه الكتّاب في غير هذين الأصطلاحين.
وهو المقصود من الباب؛ وفيه جملتان.

.الجملة الأولى في الإفراد والحذف والإثبات والإبدال:

وفيه مدركان:
المدرك الأوّل في بيان الأصل المعتمد في ذلك، وما يكتب على الأصل:
واعلم أن الأصل في الكتابة مطابقة المنطوق المفهوم، وقد يزيدون في وزن الكلمة ما ليس في وزنها ليفصلوا بالزيادة بينه وبين المشبه له، وينقصون من الكلمة عما هو في وزنها استخفافاً واستغناء بما أبقي عما انتقص إذا كان فيه دليل على ما يحذفون، كما أن العرب تتصرف في الكلمة بالزيادة والنقصان، ويحذفون ما لا يتم الكلام في الحقيقة إلا به استخفافاً وإيجازاً إذا عرف المخاطب ما يقصدون.
قال ابن قتيبة: وربما تركوا الأشتباه على حاله، ولم يفصلوا بين المتشابهين واكتفوا بما يدل عليه من متقدم أو متأخر: كقولك للرجل الواحد: يغزوا، وللاثنين لن يغزوا، وللجميع لن يغزوا بالواو والألف في الجميع من غير تفريق بين الواحد والأثنين والجمع، وبقوه على أصله.
إذا علمت ذلك، فالمكتوب على المصطلح المعروف هو على قسمين:
القسم الأول: ما له صورة تخصه من الحروف:
وهو على ضربين:
الضرب الأول: ما هو على أصله المعتبر فيه ذوات الحروف وعددها:
بتقدير الابتداء بها والوقوف عليها، سواء بقي لفظه على حاله أم أنقلب النطق به إلى حرفٍ آخر فيكتب لفظ امحى بغير نون بعد ألف، وإن كان أصله انمحى على وزن انفعل من المحو، لأن الأدغام من كلمة واحدة؛ بخلاف ما إذا كان الأدغام من كلمتين، فيكتب لفظ من مال بنون في من منفصلة من ميم مالٍ وإن كانت النون الساكنة تدغم في الميم.
ويكتب لفظ خنقٍ مصدر خنق ولفظ أنت وما أشببهها بنون، وإن كانت النون مخفاة في القاف ومن خنقٍ وفي التاء من أنت. وكذلك حالة التركيب نحو من كافرٍ.
ويكتب عنبر وما أشبهها بنون أيضاً وإن كانت النون ساكنة تنقلب عند الباء ميماً، وكذلك في حالة التركيب نحو من بعد. ويكتب مثل اضربوا القوم ويغزو الرجل بواو، وكذلك كل ما فيه حرف مد حذف لساكن يليه لأنه لولا التقاء الساكنين لثبتت هذه الواو لفظاً. ويكتب أنا بألف بعد النون وإن كانت في وصل الكلام لا إشباع في الفتحة لأن الوقف عليه بألف، ومن أجل ذلك كتبت {لكنا هو الله} بألف بعد النون في لكنا إذ أصله لكن أنا. ويكتب المنون المنصوب مثل زيداً وعمراً من قولك: رأيت زيداً وضربت عمراً بالألف، لأنه يوقف عليه بالألف بخلاف المنون المرفوع والمجرور ونحو جاء زيد ومررت بزيد، إذ الوقف عليه بحذف نون التنوين وإسكان الأخر على الصحيح، وتكتب إذاً المنونة بالألف على رأي المازني رحمه الله ومن تابعه، لأن الوقف عليها بالألف لضعفها، والمبرد والأكثرون على أنها تكتب بالنون. قال الأستاذ ابن عصفورٍ: وهو الصحيح، لأن كل نون يوقف عليها بالأف كتبت بالألف وما يوقف عليها نفسها كما توصل كتبت بالنون وهذه يوقف عليها عنده بالنون؛ وأيضاً فإنها إذا كتبت بالنون كانت فرقاً بينها وبين إذا الطرفية لئلا يقع الألباس. وفصل الفراء فقال: إن ألغيت كتبت بالألف، وإن أعملت كتبت بالنون لقوتها. ويحكى عن أبي العباس محمد بن يزيد أنه كان يقول: أشتهي أن أكوي يد من يكتب إذن بالألف لأنها مثل أن ولن، ولا يدخل التنوين في الحروف.
ويكتب نحو لنسفعاً بالألف لأن الوقف عليها بالألف، وكذلك يكتب اضرباً زيداً ولا تضرباً عمراً بالألف على رأي من ادعى أنه الأكثر، ووجهه بأن النون الخفيفة تنقلب ألفاً إذا كان ما قبلها مفتوحاً في الوقف.
وذهب بعضهم إلى أنها تكتب بالنون تشبيهاً لنونه بنون الجمع نحو اضربن للجمع المذكر، وبه جزم الشيخ أثير الدين أبو حيان، ووجهه بأنه لو كتب بالألف لالتبس بأمر الأثنين ونهيهما في الخط، وإن كنت إذا وقفت عليه وقفت بالألف، فلم تراع حالة الوقف في ذلك، لأن الوقف منع من اعتباره ما عرض فيه من كثرة الألباس، لأنهم لو أرادوا على الوقف بالألف كتابته بالألف، كثر اللبس بالوقف والخط، فتجنبوا ما كثر به الألباس. ويكتب كل اسم في آخره ياء نحو قاضي وغازي وداعي وحادي وساري ومشتري ومهتدي ومستدعي ومفتري في حالتي الرفع والجر بغير ياء، كما في قولك: جاء قاضٍ ومررت بقاضٍ، وكذا في الباقيات، وفي حالة النصب بالياء مع زيادة ألفٍ بعدها كما في قولك: رأيت قاضياً وغازياً وداعياً وما أشبهه. وإن كان جمعاً، فإن كان غير منصرف كتب في حالتي الرفع والخفض بغير ياء على ما تقدم، فيكتب في الرفع: هؤلاء جوارٍ وغواشٍ وسوارٍ ودواع، وفي الخفض: مررت بجوارٍ وسوارٍ وغواشٍ ودواعٍ بغير ياء في الحالتين.
ويكتب في النصب بالياء إلا أنه لا تزاد الألف بعدها، فتكتب رأيت جواري وسواري ودواعي.
فإذا دخلت الألف واللام في جميع هذه الأسماء، أثبتت فيها الياء سواء المنصرف وغير المنصرف؛ فيكتب هذا الداعي والغاز والقاضي والمستدعي وهؤلاء الجواري والسواري والدواعي بالياء في الجميع.
قال ابن قتيبة: وقد يجوز حذفها، وليس بمستعمل إلا في كتابة المصحف.
ويكتب نحو: ره أمراً بالرؤية، ولم يره نفياً للرؤية، وقه أمراً بالوقاية، ولم يقه نفياً لذلك وما أشبهه بالهاء وإن كانت الهاء تسقط منه حالة الدرج، لأن الوقف عليها بالهاء؛ وكذلك قولهم: ممه أتيت، ومجيء مه جئت، لأن الوقف على ما الأستفهأمية بعد حذف ألفه بالهاء فيكتب بالهاء، بخلاف ما إذا وقعت ما المحذوف ألفها بعد الجار نحو: حتام والأم وعلام، فإنه لا تلحقها الهاء لشدة الأتصال فلا تكتب بالهاء. وتكتب تاء التأنيث في نحو: رحمة ونعمة ونقمة وقسمة وخدمة وطلحة وقمحة بالهاء، لأن الوقف عليها بالهاء على الصحيح، وبعضهم يقف عليها بالتاء، وهي لغة قليلة فتكتب بالتاء، موافقةً للوقف. وقد وقع في رسم المصحف الكريم مواضع من ذلك نحو قوله تعالى: {أفبنعمت الله يكفرون} كتبوا أفبنعمت بالتاء، والأكثر ما تقدم.
قال ابن قتيبة: وأجمع الكتاب على كتابة السلام عليك ورحمت الله وبركاته في أول الكتاب وآخره بالتاء. قال: فإن أضفت تاء التأنيث إلى مضمر، صارت تاءً فتكتب: شجرتك وناقتك ورحمتك وما أشبهه بالتاء.
أما أخت وبنت، وجمع المؤنث السالم مثل: قائمات وصائمات وتائبات، وتاء التأنيث الساكنة في آخر الفعل نحو: قامت وقعدت، وما أشبه ذلك، فإنه يكتب جميع ذلك بالتاء لأن الوقف عليها بالتاء.
قال ابن قتيبة: وهيهات يوقف عليها بالهاء والتاء، والأجماع على كتابتها بالتاء ثم اللفظ الذي يكتب على نوعين:
النوع الأول: أن يكون اسماً لحرف من حروف الهجاء وهو على وجهين:
الوجه الأول: أن يكون اسماً قاصراً على الحرف لم يسم به غيره، وله حالأن أحدهما- أن يقصد اسم ذلك الحرف لا مسماه فيكتب الملفوظ به نحو: جيم إذا سئل كتابته فيكتب بجيم وياء وميم.
والثاني- أن يقصد مسماه لا اسمه فيجب الأقتصار في الكتابة على أول حرف في الكلمة، ويكتب بصورة ذلك الحرف مثل ق، ص، ولذلك كتبت الحروف المفتتح بها السور على نحو ما كتبوا حروف المعجم، وذلك لأنهم أرادوا أن يضعوا أشكالأ لهذه الحروف تتميز بها، فهي أسماءٌ مدلولاتها اشكال خطية، ولو لم يضعوا لها هذه الأشكال الخطية، لم يكن للخط دلالة على المنطوق، ولو اقتصروا على كتبها على حسب النطق ولم يضعوا لها أشكالأ مفردة تتميز بها لم يمكن ذلك، لأن الكتابة بحسب النطق متوقفةٌ على معرفة كل حرف حرف وشكل كل حرف حرف غير موضوع، فاستحال كتبها على حسب النطق. إلا ترى أنك إذا قيل لك: اكتب جيم، عين، فاء، راء! فإنما تكتب هذه الصورة جعفر والملفوظ بلسان الأمر بالكتابة جيم والمكتوب ج، ولو كان تصوير اللفظ بصور هجائه، لكان المكتوب جيم كالملفوظ على قياس غيره من الألفاظ.
ويشهد لذلك ما حكي أن الخليل رحمه الله قال يوماً لطلبته: كيف تنطقون بالجيم من جعفر؟ فقالوا جيم فقال: إنما نطقتم بالاسم ولم تلفظوا بالمسؤول عنه، ثم قال: الجواب جه لأنه المسمى من الكتاب يريد جيماً مفتوحة، وإنما أتى فيها بالهاء ليمكن الوقف عليها.
الوجه الثاني الأ يكون الاسم قاصراً على الحرف بأن يسمى به غيره أيضاً كما إذا سمي رجل بقاف أو بياسين، فللكتاب فيه مذهبان: أحدهما- أن تكتب صورة الحرف هكذا ق ويس.
والثاني- أن يكتب الملفوظ به هكذا قاف وياسين وهو اختيار أبي عمرو ابن الحاجب رحمه الله.
النوع الثاني: ألا يكون اسماً لحرف من حروف المعجم، وهو على وجهين أيضاً:
الوجه الأول أن يكون له معنى واحدٌ فقط فيكتب هكذا زيد إذا طلب كتابة زاي، ياء، دال.
الوجه الثاني أن يكون له أكثر من معنى واحد فيكتب بحسب القرينة كما إذا قيل لك: اكتب شعراً! فإن دلت القرينة على أن المراد هذا اللفظ كتب هكذا شعراً والأ فيكتب ما ينطبق عليه الشعر إذ هو معنى الشعر.
الضرب الثاني ما تغير عن أصله:
وهو على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: ما تغير بالزيادة والزيادة تقع في الكتابة بثلاثة أحرف:
الحرف الأول الألف وتزاد في مواضع:
منها تزاد بعد الميم في مائة فتكتب على هذه الصورة مائة فرقاً بينها وبين منه وإنما كانت الزيادة من حروف العلة دون غيرها لأنها تكثر زيادتها، وكان حرف العلة ألفاً لأنها تشبه الهمزة، ولآن الفتحة من جنس الألف؛ ولم تكن الزيادة ياء، لأنه يستثقل في الخط أن يجمع بين حرفين مثلين في موضع مأمون فيه اللبس، إلا ترى إلى كتابتهم خطيئة على وزن فعيلة بياء واحدة، وياء هي صورة الهمزة؛ ولم تكن الزيادة واواً لاستثقال الجمع بين الياء والواو؛ وجعل الفرق في مائة ولم يجعل في منه لأن مائة أسم ومنه حرف والاسم أحمل للزيادة من الحرف، ولأن المائة المحذوفة اللام بدليل قولهم: أمأيت الدراهم، فجعل الفرق في مائة بدلاً من المحذوف مع كثرة الاستعمال؛ ثم اختلف في المثنى منه فقيل لا يزاد في مائتين لأن موجب الزيادة اللبس ولا لبس في التثنية، والراجح الزيادة كما في الأفراد، لأن التثنية لا تغير الواحد عما كان عليه.
أما في حالة الجمع، فقد اتفقوا على منع الزيادة فكتبوا مئين ومئات بغير ألف بعد الميم، لأن جمع التكسير يتغير فيه الواحد، وجمع السلامة ربما تغير فيه أيضاً فتغلبت.
قال الشيخ أثير الدين أبو حيان رحمه الله: وقد رأيت بخط بعض النحاة مأة على هذه الصورة بألف عليها نبرة الهمزة دون ياء.
قال: وكثيراً ما أكتب أنا مئة بغير ألف كما تكتب فئة لأن كتب مائة بالألف خارج عن القياس، فالذي أختاره، أن تكتب بالألف دون الياء على وجه تحقيق الهمزة، أو بالياء دون الألف على وجهه تسهيلها.
ومنها تزاد بعد واو الجمع المتطرفة في آخر الكلمة إذا اتصلت بفعل ماضٍ أو فعل أمر مثل ضربوا وما أشبههما، فتكتب بألف بعد الواو.
وسمى ابن قتيبة هذه الألف ألف الفصل لأنها تفصل بين الفعل كي لا تلتبس الواو في آخر الفعل بواو العطف، فإنك لو كتبت أوردوا وصدروا مثلاً بغير ألف ثم اتصلت بكلام بعدها، ظن القارىء أنها واو العطف.
ولما فعلوا ذلك في الأفعال التي تنقطع واوها عن الحرف كالفعلين المتقدمين، فعلوا ذلك في الأفعال التي تتصل واوها بالحرف قبلها نحو كانوا وبانوا ليكون حكم هذه الواو في جميع المواضع واحداً.
أما إذا لم تقع طرفاً في آخر الكلام نحو: ضربوهم وكالوهم ووزنوهم. لم تلحق به الألف.
فلو اتصلت واو الجمع المذكورة بفعل مضارع نحو: لن يضربوا ولن يذهبوا، فمذهب بعض البصريين أنه لا تلحقها الألف، ومذهب الأخفش لحوقها كالماضي والأمر..
ولو اتصلت باسم نحو: ضاربوهم وضاربو زيد.
فمذهب البصريين أنها لا تلحق بل يجعل الاسم تلو الواو.
ومذهب الكوفيين أنها تلحق فيكتبون ضاربوا زيد وقاتلوا عمرو وهموا بألف بعد الواو في الجميع، والراجح الأول.
ومنها زادها الفراء في يدعو ويغزو في المفرد حالة الرفع خاصة تشبيهاً بواو الجمع وأطلق ابن قتيبة النقل عن بعض كتاب زمانه بأنها لا تلحق في مثل ذلك، لأن العلة التي أدخلت هذه الألف لأجلها في الجمع لا تلزم هنا، لأنك إذا كتبت الفعل الذي تتصل واوه به من هذا الباب مثل: أنا أرجو وأنا أدعو، لم تشبه واوه واو العطف أيضاً إلا بأن تزيل الكلمة عن معناها، لأن الواو من نفس الفعل لا تفارقه إلا في حال جزمه، والواو في صدروا، ووردوا واو جمع مكتف بنفسه يمكن أن يجعل للواحد وتتوهم الواو عاطفةً لشيء عليه.
قال: وقد ذهبوا مذهباً. غير أن متقدمي الكتاب لم يزالوا على إلحاق ألف الفصل بهذه الواوات كلها ليكون الحكم في كل موضع واحداً.
قال الشيخ أثير الدين أبو حيان: وفصل الكسأئي في حالة النصب فقال: إن لم يتصل به ضمير نحو لن يدعو كتب بألف، وإن اتصل به ضمير نحو لن يدعوك، كتب بغير ألف فرقاً بين الحالين.
ومنها تزاد شذوذاً بعد الواو المبدلة من الألف في الربو فتكتب بألف بعد الواو على هذه الصورة الربوا تنبيهاً على أن الأصل يكتب بالألف. ووجه الشذوذ أنه من ذوات الواو فكان قياسه أن يكتب بالألف.
وقد زيدت في المواضع من المصحف، كما في قوله تعالى: {إن امرؤٌا هلك} تنبيهاً على أنه كان ينبغي أن تكون صورة الهمزة ألفاً على كل حال ولا يعتد بالضم والكسرة إذ اللغة الأصلية فيها إنما هي فتح الراء دائماً، والقياس كتابته بصورة الحركة التي قبل الهمزة، وكذلك كتبوا لا أوضعوا بزيادة ألف بعد اللام ألف، وذلك مختص برسم المصحف الكريم دون غيره فلا يقاس عليه، والله أعلم.
الحرف الثاني: الواو:
وتزاد في مواضع أيضاً، منها تزاد في عمرو بعد الراء إذا كان علماً في حالتي الرفع والجر فرقاً بينه وبين عمر.
وكانت الزيادة واواً ولم تكن ياء لئلا يلتبس بالمضاف إلى ياء المتكلم، ولا ألفاً لئلا يلتبس المرفوع بالمنصوب. وجعلت الزيادة في عمرو دون عمر، لأن عمراً أخف من عمر من حيث بناؤه على فعل ومن حيث انصرافه.
أما في حالة النصب فلا تزاد فيه الواو ويكتب عمرو بألف وعمر لا يكتب بألف لأنه لا ينصرف، وكذلك المحلى باللام كالعمر والمضاف كعمره والواقع قافية شعر كقول الشاعر:
إنما أنت في سليم كواوٍ ** ألحقت في الهجاء ظلماً بعمر

وكذلك عمر واحد عمور الأسنان: وهو اللحم الذي بينها، وما هو بمعنى المصدر مثل قولهم: لعمر الله لا تزداد فيه الواو إذ لا لبس.
ولم يفرقوا في الكتابة بين عمر العلم وعمر جمع عمرة لأنهما ليسا من جنس واحد فلا يلتبسان.
ومنها تزاد في أولئك بين الألف واللام فرقاً بينها وبين إليك إذ حذفوا ألف أولئك الذي بعد اللام لكثرة الاستعمال فالتبست بإليك، وكانت الواو أولى بالزيادة من الياء، لمناسبة ضمة الهمزة، ومن الألف، لاجتماع صورتي الألف، وهم يحذفون الواحدة إذا اجتمعت صورتاها، وجعلت الزيادة في أولئك دون إليك، لأن الاسم أحمل للزيادة من الحرف ولأن أولئك قد حذف منه الألف فكان أولى بالزيادة لتكون كالعوض من المحذوف.
قال ابن الحاجب: وحملوا أولى عليه مع عدم اللبس كما حملوا مائتين على مائة.
ومنها تزاد في أولي وفي أولو بين الألف واللام، أما في أولي فللفرق بينها وبين إلى، وأما في أولو فبالحمل على أولي بالياء، صرح به الشيخ أبو عمرو ابن الحاجب، وقاله الشيخ أثير الدين أبو حيان بحثاً وادعى أنه لم يظفر في تعليله بنص.
قال: وحمل التأنيث في أولات على التذكير في أولي.
ومنها تزاد في أوخي تصغير أخي بين الألف والخاء، والتغيير يأنس بالتغيير، وجعلت الزيادة واواً مناسبة ضمة الهمزة كما في أولئك ونحوه. وأكثر أهل الخط لا يزيدونها لأن التصغير فرع عن التكبير وليس ببناء أصلي.
الحرف الثالث: الياء المثناة تحت:
وتزاد في مواضع من رسم المصحف الكريم فيكتبون قوله تعالى: {بنيناها بأييدٍ} بياءين بين الألف والدال من قوله: {بأييد}.
وقوله تعالى: {من نبإى المرسلين} بياء بعد الألف من نبإ، وقوله تعالى {من ملإيه} و{من ملإيهم} بياء قبل الهاء فيهما.
وهذا مما يجب الأنقياد إليه في المصحف اقتداءً بالصحابة رضوان الله عليهم.
أما في غير المصحف فيكتب بأيد بياء واحدة لأن الهمزة فيه أول كلمة فتصور ألفاً كغيرها من الهمزات الواقعة أولاً على ما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ويكتب من نبإ ومن ملئه ومن ملئهم بغير ياء لأن الهمزة في نبإ وملإ أخيرة بعد فتحة فتصور ألفاً كما في نحو: كلا وخطإ، وكذلك إذا أضيف إليه الضمير.
وذهب بعضهم إلى أنها تكتب في هذا ياء على ما يناسب حركتها سواء أضيفت نحو: من كلئه أو لم تضف نحو من الكلىء.
قال بعضهم: والأقيس أن يكتب ياء مع الضمير المتصل نحو: من خطئه لأنها صارت معه كالمتوسطة ويكتب ألفاً إذا تطرفت نحو: من خطإ اعتباراً بما يؤول إليه في التخفيف، والله أعلم.
النوع الثاني: ما يغير بالنقص والنقص يقع في الكتابة على وجهين:
الوجه الأول: ما لا يختص بحرف من الحروف وهو المدغم:
فيكتب كل مشدد من كلمة واحدة حرفاً واحداً نحو: شد ومد وادكر ومقر واقشعر فيكتب بدال واحدة في شد ومد وادكر، وراء واحدة في مقر واقشعر وإن كان في اللفظ حرفان، فإن الحرف المدغم فيما بعده هو متلفظ به ساكناً مدغماً، فكان قياسه أن يكتب له صورة بحسب النطق، لكنه لما ادغم ضعف بالأدغام، إذ صار النطق به وبالمدغم فيه نطقاً واحداً فاقتصر في الكتابة على حرف ولم يجعل للأول صورة اختصاراً. وسواء كان المدغم إدغام مثل نحو: رد أو مقارب نحو: اطجع أصله اضطجع، وأجروا نحو: قنت مجرى ما هو من كلمة واحدة وإن كان من كلمتين لشدة اتصال الفعل بالفاعل مع كون الحرفين مثلين.
قال الشيخ أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله: وكذلك نحو: مم وعم.
الوجه الثاني: ما يختص بحرف من الحروف، وينحصر ذلك في خمسة أحرف:
الحرف الأول الألف وتحذف في مواضع:
منها تحذف مع لام التعريف إذا دخلت عليها لام الجر، فيكتب للقوم، وللغلام وللناس بلاميين متواليتين من غير ألف، بخلاف ما إذا دخلت عليها باء الجرّ فإنها لا تحذف، فيكتب بالقوم وبالغلام وبالناس بألف بين الباء واللام. وإن كان في أول الكلمة ألف ولام من نفس الكلمة ليستا اللتين للتعريف نحو الألف واللام في التقاء والتفات والتباس. ثم دخلت لام الجرّ أو باؤه ثبتت الألف، فيكتب بالتقائنا ولالتفاتنا ولالتباس الأمر عليّ وبالتباسه، فإن أدخلت ألف التعريف ولامه على الألف واللام اللتين من نفس الكلمة للتعريف ولم تصل الكلمة بلام الجرّ وبائه لم تحذف شيئاً، فيكتب الألتقاء والألتفات والألتباس بألفين ولامين، وكذلك إذا وصلتهما بلام الجرّ أو بائه، فيكتب بالألتقاء وبالألتفات وبالألتباس وللالتقاء وللالتفات وللالتباس.
ومنها تحذف بعد اللام الثانية من لفظ الله تعالى، وبعد الميم من الرحمن إذا دخلت عليها الألف واللام، فيكتب الله بلامين بعدهما هاء على هذه الصورة الله وإن كانت المدة بعد اللام الثانية توجب ألفاً بعدها، ويكتب الرحمن بنون بعد الميم على هذه الصورة الرحمن وإن كانت المدة على الميم توجب ألفاً بعدها، لأنه لا التباس في هذين الأسمين، ولكثرة الاستعمال. فلو تجردا على الألف واللام كتبا بالألف كما قالوا: لاه أبوك، يريدون لله أبوك، فحذفوا حرف الجر والألف واللام وكتبوه بالألف. وكقولك: رحمان الدنيا والأخرة فيكتبونه بالألف.
ومنها تحذف بعد اللام من السلام في عبد السلام وفي السلام عليكم، فيكتبان على هذه الصورة: عبد السلم والسلم عليكم.
ومنها تحذف بعد اللام من ملائكة فتكتب على هذه الصورة: ملكئة.
قال أحمد بن يحيى: لأنه لا يشبه لفظ مثله، ولكثرة الاستعمال.
ومنها تحذف بعد الميم من سموات، فتكتب على هذه الصورة: سموات.
قال الشيخ أثير الدين أبو حيان: وعلة الحذف فيه علة الحذف في الملائكة من كثرة الاستعمال وعدم الشبه. وأما الألف الثانية منه وهي بعد الواو، فإنها لا تحذف، لأنها دليل الجمع، ولأنها لو حذفت لاجتمع في الكلمة حذفان، وقد كتبت في المصحف بحذف الألفين جميعاً فيجب الأنقياد إليه في المصحف خاصة.
ومنها تحذف بعد اللام في أولئك، وبعد الذال من ذلك فيكتبان على هذه الصورة: أولئك وذلك. فلو تجردا أولاء وذا عن حرف الخطاب وهو الكاف، كتباً بالألف فيكتبان على هذه الصورة: أولاء وذا.
ومنها تحذف بعدها التنبيه إذا اتصلت بذا التي للإشارة وكانت خالية من كاف الخطاب في آخر الكلمة؛ فتحذف من هذا وهذه وهؤلاء، فيكتب الجميع بغير ألف، فإن اتصلت باسم الأشارة الكاف نحو ذاك امتنع الحذف، فيكتب بألف بعد الهاء على هذه الصورة ها ذاك ولا يضر اختلاف حرف الخطاب بالنسبة للإفراد والجمع والتذكير والتأنيث. وأما تا وتي في الأشارة بتا للمذكر وبتي للمؤنث، فإن الألف لا تحذف معهما إذا اتصلت بهما ها التنبيه، فيكتب هاتا وهاتي وهاتان.
وذكر أحمد بن يحيى: أنها حذفت من هأنتم وهأنا وهأنت أيضاً، فتكتب بألف واحدة بعد الهاء في جميع ذلك. قال: وهو القياس؛ وكان الأصل أن تكتب بألفين على هذه الصورة: ها أنتم وها أنا وها أنت؛ ثم تلي الهمزة. ودليل أن ألف ها قد حذفت من ها التنبيه في غير اتصالها بذا وما والأها من رسم المصحف في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم: في النور {أيه المؤمنون} وفي الزخرف {يا أيه الساحر} وفي الرحمن {أيه الثقلان}.
قال ابن قتيبة: ويكتب أيها الرجل وأيها الأمير بالألف وإن كان قد كتب في القرآن الكريم بالألف وغير الألف لاختلافهم في الوقف عليها.
ومنها تحذف من ثمانية عشر وثماني نساء، بخلاف ما إذا حذفت الياء منها نحو ثمانة عشرة وعندي من النساء ثمانٍ فإنه لا تحذف الألف، بل تكتب على هذه الصورة: ثمان عشرة وعندي من النساء ثمان لأنه قد حذف منه الياء فلو حذف الألف، لتوالي الحذف فيكثر؛ فمثل قول الشاعر:
ولقد شربت ثميناً وثامنياً ** وثمان عشرة واثنتين وأربعا

يكتب الأولان بغير ألف والثالثة بالألف. وفي ثمانين وجهان: أحدهما إثبات الألف بعد الميم فيها، لأنه قد حذف منه الياء إذا الياء في ثمانين ليست ياء ثمانية، لأنها حرف الأعراب المنقلب عن الواو في حالة الرفع، فلو حذفت الألف أيضاً لتوالى فيه الحذف. والوجه الثاني الحذف، لأن الياء منه كأنها لم تحذف بدليل أنه قد عاقبتها ياء أخرى فهما لا يجتمعان، فكأن الياء موجودة إجراء المعاقب مجرى المعاقب. وإذا قبلت ثمانون بالواو، فحكمه حكم ثمانين بالياء في جواز الوجهين.
ومنها تحذف بعد اللام من ثلاث فيكتب على هذه الصورة: ثلث سواء كانت مفردة، نحو عندي ثلث من البط أو مضافة نحو ثلث نساء، أو مركبة نحو ثلث عشرة امرأة، أو معطوفة نحو ثلث وثلاثين جارية، وحكم ثلثة بالتاء كذلك في جميع الصور.
وكذلك تحذف أيضاً من ثلاثين وثلاثون بالياء والواو، فيكتبان على هذه الصورة: ثلثين وثلثون.
فأما ثلاث المعدول كما في قوله تعالى: {مثنى وثلاث}، فقال الشيخ أثير الدين أبو حيان رحمه الله: لم أقف فيه على نقل. قال: والذي أختاره أن يكتب بالألف لوجهين: أحدهما أنه لم يكثر كثرة ثلث، وثلثة، وثلثين، وثلثون، والثاني أنها لو حذفت لالتبست بثلثٍ الذي ليس بمعدول.
قال ابن قاسم رحمه الله: وقد ذكر في المقنع أنه محذوف في الرسم.
ومنها تحذف من- يا- التي للنداء إذا اتصلت بهمزة نحو يا أحمد، يا إبراهيم يا أبا بكر، يا أبانا، فتكتب على هذه الصورة: يأحمد، يإبراهيم، يأبا بكر، يأبانا. ثم الأظهر أن المحذوف هو ألف يا لا صورة الهمزة.
وقال أحمد بن يحيى: المحذوف صورة الهمزة لا الألف من يا نعم إذا كانت الهمزة المتصلة بيا كهمزة آدم امتنع الحذف، وكتبت بألفين على هذه الصورة: يا آدم، لأنهم قد حذفوا ألفاً من آدم لتوالي ألفين، وحرف النداء مع المنادى كالكلمة الواحدة بدليل أنه لا يجوز الفصل بينهما فلو حذفت الألف من يا لاجتمع فيما هو كالكلمة الواحدة حذف ألفين.
أما إذا لم يل يا همزة البتة نحو: يا زيد، ويا جعفر، فالذي يستعمله الكتاب فيه إثبات الألف في يا. وفي كلام أحمد بن يحيى تجويز كتابته بغير ألف أيضاً، توجيهاً بأنهم جعلو يا مع ما بعدها شيئاً واحداً، إذا أقاموا يا مقام الألف واللام بدليل أنهم لا ينادون ما فيه ألف ولام، فلا يقولون يا الرجل.
ومنها تحذف من الحارث إذا كان علماً ودخلت عليه الألف واللام، فيكتب على هذه الصورة: الحرث: إما إذا عري عن الألف واللام، فإنه يثبت فيه الألف لئلا يلتبس بحرب بالباء الموحدة إذ قد سمي به، وإنما امتنع اللبس مع الألف واللام لأنهما إنما يدخلان من الأعلام على ما كان صفةً إذا أريد به معنى التفاؤل وحرب ليس بصفة فلم يدخلا عليه وإن كانا قد دخلا على بعض المصادر كالعلاء، وكذلك إذا كان حارث اسم فاعل من الحرث فإنه يكتب بالألف أيضاً كما إذا عري عن الألف واللام.
ومنها تحذف مما كثر استعماله من الأعلام الزائدة على ثلاثة أحرف إذا لم يحذف منها شيء، سواء كان ذلك العلم من اللغة العربية نحو مالك، وصالح، وخالد، أو من اللغة العجمية نحو: إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، وهارون، وسليمان، فتكتب على هذه الصورة: ملك، وصلح، وخلد، وإبرهيم، وإسمعيل، وهرون، وسليمن، بخلاف ما إذا لم يكثر استعماله كحاتم، وجابر وحامد، وسالم، وطالوت، وجالوت، وهاروت وماروت، وهامان وقارون، فإنها لا تحذف ألفها.
وقد حذفت في بعض المصاحف من هاروت، وماروت، وهامان، وقارون، فتكتب على هذه الصورة: هروت، ومروت، وهمن، وقرون.
قال الشيخ أثير الدين أبو حيان رحمه الله: وذكر بعض شيوخنا أن إثباتها في نحو: صالح، وخالد، ومالك جيدٌ.
وقال أحمد بن يحيى: يجوز فيه الوجهان، وهو قضية كلام ابن قتيبة.
أما إذا كان العلم الذي كثر استعماله على ثلاثة أحرفٍ فما دونها نحو: هالة ولام، فإنه لا تحذف ألفه، وكذلك إذا حذف منه شيء غير الألف نحو: إسراءيل وداود، لأنه قد حذفوا من إسراءيل صورة الهمزة ومن داود الواو فامتنع حذف الألف لئلا يتوالى الحذف.
ويلتحق بذلك في الأثبات ما لو خيف بالحذف التباسه: كعامر، وعباس، فلا تحذف منه الألف أيضاً، لأنه لو كتب بغير ألف، لالتبس عامر بعمر، وعباس بعبس.
ومنها تحذف استحساناً مما كثر استعماله، مما في آخره الألف والنون نحو شعبان، وعثمان، وما أشبههما، فيكتبان على هذه الصورة شعبن وعثمن.
قال الشيخ أثير الدين أبو حيان رحمه الله: إلا أنهم لم يحذفوا ألف عمران والأثبات في نحو: شعبان حسن أيضاً.
قال ابن قتيبة: فأما شيطان، ودهقان، فإثبات الألف فيهما حسن.
وكان القياس إذا دخلت عليهما الألف واللام أن يكتبا بغير ألف، إلا أن الكتاب مجمعون على ترك القياس في ذلك.
ومنها تحذف من كل جمع على وزن مفاعل أو وزن مفاعيل، إذا لم يحصل بالحذف التباس الجمع فيه بالواحد لموافقته له في الصورة، فحيث لا يقع اللبس مثل خواتم ودوانق في وزن مفاعل، ومحاريب وتماثيل وشياطين في وزن مفاعيل تحذف الألف فيكتب على هذه الصورة: خوتم، ودونق، ومحريب، وتمثيل، وشيطين، ودهقين، إذ المفرد منها خاتمٌ ودانقٌ، ومحرابٌ، وتمثالٌ، وشيطان، ودهقان، وهي لا تشابه صور الجمع فيها، بخلاف ما إذا كان يلتبس فيه الجمع بالواحد، مثل: مساكين في وزن مفاعيل جمع مسكين فإنه يكتب بالألف لئلا يلتبس بالواحد، فلو كان الحذف يؤدّي إلى موافقته للواحد في الصورة لكنه في غير موضع المفرد نحو: ثلاثة دراهم، ودراهم جياد، ودراهم معدودة، حذفت منه الألف وكتب على هذه الصورة: ثلاثة درهم، ودرهم جياد، ودرهم معدودة لأنه لا يلتبس حينئذ، بخلاف عندي دراهم ونحوه فإنه لو حذفت الألف منه لالتبس بدرهم المفرد.
ثم الحذف في مفاعل ومفاعيل على ما تقدّم إنما هو على سبيل الجواز، والأ فالأثبات أجود.
وشرط بعض المغاربة في جواز الحذف شرطاً، وهو إلا تكون الألف فاصلاً بين حرفين متماثلين، فلا تحذف الألف من نحو: سكاكين، ودكاكين، ودنانير، لئلا يجتمع مثلان في الخط وهو مكروه في الخط ككراهته في اللفظ.
وقد كتب في المصحف مساكين، ومساكنهم بغير ألف على هذه الصورة: مسكين ومسكنهم، وإن كان اللبس موجوداً.
قال الشيخ أثير الدين أبو حيان رحمه الله: وإنما كتبنا كذلك لأنهما قد قرئا بالأفراد فكتبنا على ما يصلح فيهما من القراءة. كما كتبوا: وما يخادعون بغير ألف على هذه الصورة {وما يخدعون} لأنه يصلح لقراءة يخدعون من الثلاثيّ.
ومنها تحذف الألف الأولى مما كان فيه ألفان، مما جمع بالألف والتاء المزيدتين نحو: صالحات، وعابدات، وقانتات، وذاكرات، فتكتب على هذه الصورة: صلحات، وعبدات، وقنتات، وذكرات.
وكذلك تحذف من صفات جمع المذكر السالم نحو: الصالحين، والقانتين، فيكتب على هذه الصورة: الصلحين والقنتين وإن لم يكن فيه ألف أخرى حملاً على المؤنث.
وقال بعض المغاربة: إن كان مع ألف الجمع ألف أخرى كالسماوات، والصالحات، فيختار حذف ألف الجمع وإبقاء الأخرى. وثبت في المصحف بحذف الألفين جميعاً على هذه الصورة: سموت، وصلحت وكذلك سياحات، وغيابات، وإن كان ليس فيه ألف أخرى فالمختار إثبات الألف كالمسلمات، وثبت أيضاً في المصحف محذوف الألف على هذه الصورة: مسلمت.
قال: وتحذف أيضاً في جمع المذكر السالم من الصفات المستعملة كثيراً: كالشاكرين، والصادقين، والخاسرين، والكافرين، والظاليمن، وما أشببها في كثرة الاستعمال فتكتب على هذه الصورة: الشكرين، والصدقين، والخسرين، والكفرين، والظلمين.
نعم إن خيف اللبس فيما جمع بالألف والتاء مثل الطالحات، امتنع الحذف لأنه لو حذفت الألف منه، لا لتبس بطلحاتٍ جمع طلحةٍ، وكذلك لو خيف اللبس فيما جمع بالواو والنون، نحو حاذرين، وفارهين، وفارحين، فلو حذفت الألف منه، لا لتبس بحذرين، وفرهين، وفرحين، وهما مختلفان في الدلالة، لأن فاعلاً من هذا النوع مذهوب به مذهب الزمان، وفعل يدل على المبالغة لا على الزمان.
وكذلك لو كان مضعفاً مثل شابات، والعادين، فلا يجوز فيه حذف الألف لأنه بالأدغام نقص في الخط إذ جعلوا الصورة للمدغم والمدغم فيه شكلاً واحداً، ولذلك كتبوا في المصحف: الضالين والعادين بالألف. وقد أجري مجرى المضعف في الأثبات ما بعد ألفه همزةٌ نحو: الخائنين، وقد حذفت ألفه في بعض المصاحف فكتب على هذه الصورة: الخئنين ويتعين الأثبات أيضاً فيما هو معتل اللام مثل: دانيات حملاً على دانين، كما حذف من الصالحين حملاً على الصالحات، ومثل: الرامين لأنه قد حذف منه لام الفعل، وحمل ما جمع بالألف والتاء عليه كما حمل الصالحين على الصالحات في حذف الألف، وإن كانت العلة فيهما مفقودة.
قال ابن قتيبة: وكذلك ما كان من ذوات الياء والواو لا يجوز فيه حذف الألف نحو: هم القاضون، والرامون، والساعون، لأنهم حذفوا الياء لالتقاء الساكنين لما استثقلوا ضمةً في الياء بعد كسرة فسكنوا ثم حذفوا الياء، فكرهوا أن يحذفوا الألف أيضاً لئلا يخلوا بالكلمة.
ومنها تحذف إحدى الألفين مما اجتمع فيه ألفان مثل: أادم، وأازر، وأامن، وأامين، وأاتين، وأانفا، ووراأك، وقراأة، وبراأة، وشنأان، وشبهه، فتكتب على هذه الصورة: آدم، وآزر، وآمن وآمين، وآتين، وآنفا، ووراءك، وقراءة، وبراءة وشنآن فلو انفتح الأول منهما كما في قرأا لفعل الأثنين من القراءة كتب بألفين على هذه الصورة: قرأا لئلا يلتبس بفعل الواحد، إذ المفرد تقول فيه قرأ فتكتبه بألف واحدة؛ وذهب قوم إلى أنه في التثنية يكتب أيضاً بألف واحدة مسنداً إلى ألف الأثنين، وبه قال أحمد بن يحيى. والذي عليه المتأخرون وهو الأجود عند ابن قتيبة ما تقدم.
ومنها تحذف إحدى الألفات مما اجتمع فيه ثلاث ألفات، مثل براأات جمع براءة، ومساأات جمع مساءة، فتكتب بألفين فقط على هذه الصورة: براآت ومساآت لأنها في الجمع ثلاثة ألفاتٍ. فلو حذفوا اثنين، أخلوا بالكلمة.
ومنها تحذف من أول الكلمة في الأستفهام في اسم، أو فعل، نحو أالله أذن لكم؟ أالسحر إن الله سيبطله؟ أالذكرين حرم أم الأنثيين؟ أاصطفى البنات على البنين؟ أالرجل في الدار؟ أاسمك زيد أم عمرو؟ فتكتب بألف واحدة على هذه الصورة: آلله؟ آلسحر؟ آلذكرين؟ آلرجل؟ آسمك؟ الآن؟ ثم مذهب أحمد بن يحيى، وعليه جرى ابن مالكٍ رحمه الله: أنه لا فرق بين المكسورة، والمضمومة. والذي ذهب إليه المغاربة أنها تكتب بألفين، إحداهما ألف الوصل، والأخرى همزة الأستفهام.
قال الشيخ أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله: وجاز في نحو: ألرجل، الأمران، ورسمت في المصحف بألف واحدة نحو: آلذكرين، الآن.
ومنها تحذف من ما الأستفهأمية إذا دخل عليها حرف من حروف الجر نحو: عم تسأل؟ وفيم تفكر، ومم فرقت؟ ولم تكلمت؟ وبم علمت؟ وحتام تغضب؟ وعلام تدأب؟ فتكتب كلها بغير ألف في آخرها فرقاً بينها وبين ما الموصولة، ويصير حرف الجر كأنه عوض من الألف المحذوفة. وكان الحذف من الأستفهأمية دون الموصولة لأن آخرها منتهى الأسم، والأطراف محل التغيير، بخلاف الموصولة، لأنها متوسطة من حيث إنها تحتاج إلى صلة.
وحكى الكوفيون ثبوتها في الأستفهأمية أيضاً؛ والله أعلم.
تذنيب تحذف الهمزة المصورة بصورة الألف في أربعة مواضع: الأول- تحذف بعد الباء من بسم الله الرحمن الرحيم، فتكتب بغير ألف على هذه الصورة بسم، والقياس إثباتها كما تكتب يا أيها بالألف لكنها حذفت لكثرة الاستعمال، أما في غير بسم الله الرحمن الرحيم، فظاهر كلام ابن مالك أنها لا تحذف، فتثبت في باسم ربك، وفي باسم الله، مفرداً.
وقال بعضهم: إن كان مضافاً إلى لفظ الله تعالى وليس متعلق الباء ملفوظاً به، وحذفت والأ فلا، فتثبت في باسم ربك لأنه غير مضاف إلى لفظ الله تعالى وفي نحو قولك: تبركت باسم الله، لأن متعلقه ملفوظ به.
وقال الفراء في قوله تعالى: {بسم الله مجراها ومرساها} إن شئت أثبت وإن شئت حذفت، فمن أثبت قال: ليست مبتدأ بها، وليس معها الرحمن الرحيم؛ ومن حذف، قال: كان معها الرحمن الرحيم في الأصل، فحذفت في الاستعمال؛ فإن أضفت الاسم إلى الرحمن أو القاهر ونحوه، فقال الكسائي: تحذف، وقال: الفراء: لا يجوز أن تحذف إلا مع الله لأنها كررت معه، فإذا عدوت ذلك أثبت الألف.
الثاني- تحذف بين الفاء والواو، وبين همزة هي فاء الفعل من وزن الكلمة، مثل قولك: فأت وأت، لأنهم لو أثبتوا لها صورة الألف، لكان ذلك جمعاً بين ألفين: إحداهما صورة همزة الوصل، والأخرى صورة الهمزة التي هي فاء الفعل، مع أن الواو والفاء شديدتا الأتصال بما بعدهما لا يوقف عليهما دونه، وهم لم يجمعوا بين ألفين في سائر هجائهم إلا على خلاف في المتطرفة كما مر، لأن الأطراف محل التغييرات والزيادة، فلذلك حذفوها في نحو: فأذن، وأتمن فلان، وعليه كتبوا: {وأمر أهلك} فلو كانت الهمزة بين غير الفاء والواو وبين الهمزة التي هي فاء الفعل ثبتت، نحو ائتو، و{الذي اؤتمن}، {ومنهم من يقول ائذن لي} وكذلك لو كانت ابتداءً والهمزة فاء الفعل، نحو ائذن لي، اؤتمن فلان، ثبتت أيضاً؛ أو ليست فاء، نحو: ثم اضرب، واضرب، فاضرب. وكذلك في {وأتوا البيوت}.
الثالث- تحذف في ابن وابنة مما وقع فيه ابن مفرداً صفة بين علمين، غير مفصول، فيكتب نحو جاء فلان بن فلان، أو فلانة بنة فلان بغير ألف في ابن وابنة. ولا فرق في ذلك بين أن يكون العلمان اسمين، نحو هذا أحمد بن عمر أو كنيتين، نحو: هذا أبو بكر بن أبي عبد الله، أو لقبين، نحو: هذا نبتٌ بن بطة، أو اسماً وكنيةً، نحو: هذا زيد بن أبي قحافة، أو لقباً واسماً، ونحو: هذا أنف الناقة بن زيد، أو كنية ولقباً، نحو: هذا أبو الحارث بن نبت، أو لقباً وكنية، نحو: هذا بدر الدين بن أبي بكر.
فهذه سبع صور تسقط فيها الألف من ابن ولا تسقط فيما عداها، فلو قلت هذا زيد ابنك، وابن أخيك، وابن عمك، ونحو ذلك، مما ليس صفة بين علمين، أثبت فيه الألف، وكذلك إذا كان خبراً كقولك: أظن زيداً ابن عمرو، وكأن بكراً ابن خالد، وأن زيداً ابن عمرو، فتثبت الألف في الجميع. ومنه في القرآن الكريم: {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله} كتبتا في المصحف بالألف، فلو ثنيت الأبن، ألحقت فيه ألف صفة كان أو خبراً، فتكتب: قال عبد الله، وزيدٌ ابنا محمد كذا وكذا؛ وأظن عبد الله وزيداً ابني محمد فعلا كذا بالألف. وكذلك إذا ذكرت ابناً بغير اسم، فتكتب: جاء ابن عبد الله بالألف أيضاً- وحكم ابنة مؤنثاً في جميع ما ذكر حكم الأبن، تقول: جاءت هند بنة قيس، فتحذف الألف، وشرط الأستاذ أبو الحسن بن عصفورٍ أن يكون مذكراً فلا تسقط من ابنة.
ونقل أحمد بن يحيى عن أصحاب الكسائي: أنه متى كان منسوباً إلى اسم أبيه أو أمه أو كنية أبيه وأمه وكان نعتاً، حذفوا الألف فلم يجزه في غير الاسم والكنية في الأب والأم. قال: وأما الكسائي فقال: إذا أضفت إلى اسم أبيه أو كنية أبيه، وكانت الكنية معروفاً بها كما يعرف باسمه، جاز الحذف، لأن القياس عنده الأثبات والحذف استعمالأ، فإذا عدى الاستعمال، يرجع إلى الأصل.
وحكى ابن جني عن متأخري الكتاب، أنهم لا يحذفون الألف مع الكنية، تقدمت أو تأخرت قال: وهو مردود عند العلماء على قياس مذاهبهم.
والألف تحذف من الخط في كل موضع يحذف منه التنوين وهو حذف مع الكنى.
الرابع- تحذف من كل معرف بالألف واللام إذا دخلت عليه لام الأبتداء، نحو {وللآخرة خيرٌ لك من الأولى} أو لام الجر، نحو للدار ألف ساكن غيرك، وقياسها الأثبات كما أثبتوها في لابنك قائم، ولأبيك مال؛ وسبب حذفها التباسها بلا النافية.
وذهب بعضهم: إلى أنها لا تحذف مع لام الأبتداء فرقاً بينها وبين الجارة ولم يحذفوها من نحو: مررت بالرجل، والله أعلم.
الحرف الثاني اللام وتحذف في مواضع:
منها تحذف من الذي للزومها، فكأنها ليست منفصلة، وكذلك تحذف من جمعه وهو الذين لأنه يشبه مفرده في لزوم البناء، ولفظ الواحد كأنه باقٍ فيه، ولم يحذفوه من المثنى كما في قوله تعالى: {ربنا أرنا اللذين أضلانا} فكتبوه بلامين فرقاً بينه وبين الجمع.
وإنما اختصت التثنية بالأثبات، لأنها أسبق من الجمع، واللبس إنما حصل بالجمع.
ومنها تحذف من التي للزومها كما تقدم، ومن تثنيتها وهي التان وجمعها: وهي الآتي لأنهما لا يلتبسان بخلاف تثنية الذي وحروفه.
وقال أحمد بن يحيى: كتبوا اللاتي التي واللائي الئي وأسقطوا لاماً من أولها وألفاً من آخرها.
قال: وهذا للاستعمال لأنه يقل في الكلام مثله، ويدل عليه ما قبله وما بعده، ولو كتب على لفظه كان أولى.
قال الشيخ أثير الدين أبو حيان رحمه الله: والذي عهدناه من الكتاب أنه لا تحذف الألف لئلا يلتبس بالمفرد.
ومنها تحذف من الليل والليلة على أجود الوجهين، فيكتبان بلام واحدة على هذه الصورة اليل واليلة: لأن فيه اتباع المصحف، وأجاز بعضهم كتابته بلامين. قال أبو حيان: وهو القياس.
ومنها تحذف من اللعب ونحوه، مما دخل عليه لام الجر فيكتب بلامين وإن كان في اللفظ ثلاث لامات.
ومنها قال أحمد بن يحيى: يكتب الطيف بلام واحدة، لأنهقد عرف فحذف، وهذا بخلاف اللهو واللعب، واللعبة، واللاعبين، واللغو واللؤلؤ، واللات، واللهم، واللهب، واللوامة، فإنها لا تحذف منها لام.
قال ابن قتيبة: وكل اسم أوله لاماً ثم أدخلت عليه لام التعريف، كتبته بلامين، نحو: اللهم، واللبن، واللحم، واللجام، وما أشبه ذلك، وإن كانوا قد اختلفوا في الليل والليلة لموافقة المصحف كما تقدم.
الحرف الثالث النون وتحذف في مواضع:
منها تحذف من عن إذا وصلت بمن أو بما، فتكتب عمن وعما وعم.
ومنها تحذف مِن مَن الجارة إذا وصلت بمن أو ما، فتكتب ممن ومما.
ومنها تحذف من إن إذا وصلت بلم، فتكتب إلم.
ومناه تحذف من أن المفتوحة إذا وصلت بلا، فتكتب إلا.
الحرف الرابع الواو وتحذف في مواضع:
منها تحذف لأمن اللبس، مثل ما كتبوا من قوله تعالى: {يدع الداع}.
{ويمح الله الباطل} بغير واو في يدعو ويمحو، لأن ذكر الداع في الأول.
وذكر الله تعالى في الثاني يمنع أن يكون الفاعل جماعةً فلا يحصل البس، بخلاف قولك لا تضربوا الرجل، فإنه لو حذف لالتبس الجمع فيه بالواحد.
ومنها تحذف مما توالى فيه واوان في كلمة واحدة، مثل: داوود، وطاووس، ورؤوس، ويستوون، ويلوون، وأووا إلى الكهف، ويسووا، وتبوؤوا، وجاؤوا، وباؤوا، وأسؤوا، ويؤوده، ويؤوسٌ، وفادرؤوا، ومبرؤون، فيكتب بواو واحدة.
وكتب بعضهم طاووس ونحوه بواوين على الأصل، والقياس الأقتصار على واو واحدة كراهة اجتماع المثلين.
واستثنى ابن عصفور من ذلك موضعاً، وهو إلا يؤدي إلى اللبس، نحو: قؤول وصؤول على وزن فعول فإنه يلتبس بقولٍ وصولٍ، واختاره أحمد بن يحيى.
ومنها تحذف مما توالى فيه ثلاث واوات في كلمتين ككلمةٍ، مثل: ليسوؤوا، وينوؤون، فتكتب ليسوءوا، وينوءون، بواوين فقط، ويكتب للووا، واجتووا، والتووا، بواوين، لأنه لو حذفت إحدى الواوين لالتبس الجمع بالمفرد.
ووقع في المصحف كتابة يستوون، ويلوون، بواو واحدة، وذلك لأن في يستوون ونحوه اجتمع واوان وضمة، فناسب الحذف، وفي لووا رؤوسهم ونحوه انفتح ما قبل الواو فناسب الأثبات.
ومنها تحذف للجزم كما في قولك: لم يغد، فتحذف الواو علامةً للجزم؛ والله سبحانه وتعالى أعلم.
الحرف الخامس الياء وتحذف في مواضع:
منها للجزم كما في قولك: لم يقض، فنحذف الياء من آخره علامةً للجزم.
ومنها تحذف لمراعاة الفواصل، نحو قوله تعالى: {والليل إذا يسر} بغير ياء في آخرها لمراعاة ما قبله من قوله: {والفجر}.
ومنها تحذف فيما توالى فيه ياءان أو ثلاثة، فتكتب النبيين، وخاسئين، وخاطئين، وإسرائيل، وما أشبه ذلك بياءين فقط، وإن كان في اللفظ ثلاث ياءات.
ومنها تحذف لأمن اللبس، فتكتب قارءين جمع قاريء بياء واحدة، فرقاً بينها وبين قارئين تثنية قاريء فإنها تكتب بياءين.
ومنها تحذف مدة ضمير الغائب مثل قولك: ضربه، فتكتبه بغير واو، وإن كنت تلفظ به لأنك إذا وقفت حذفتها ووقفت على الهاء ساكنة، وكذلك مدة ضمير الغائبين، مثل قولك: ضربهم في لغة من وصل الميم، وكذلك حذفوها إذا وليت الكاف، نحو: ضربكم زيد ولكم في لغة من وصل الميم بواو وبياء، لأنه إذا وقف حذف الصلة، والله أعلم.
النوع الثالث: ما يغير بالبدل:
والحروف التي يدخلها البدل ثلاثة أحرف: الألف، والواو، والياء؛ والألف والياء أكثرهما تعاقباً.
فتنوب الياء عن الألف في ثلاثة محال:
المحل الأول: الاسم وهو ثلاثة أحوال:
الحال الأول- أن تكون الألف فيه رابعة فصاعداً، نحو: المعزى، والمستدعى، والحبلى، والمرضى، والملهى، والمدعى، والمشترى، ومقلى، ومثنى، وكذلك أعمى، وأعشى، وأظمى، وأقنى، وأدنى، وأعلى، ومعافى، ومنادى، وما أشبه ذلك، فتكتب الألف في جميع ذلك ياءٍ سواءً كان منقلباً عن واو أو منقلباً عن ياء، لأنك إذا ثنيته ثنيته بالياء، ومن ثم كتبت يا ويلتى، ويا حسرتى ويا أسفى، بالياء إشعاراً بأنها مما تمال أو تقلبها عند التثنية ياء، إلا فيما قبلها ياء نحو: الدنيا، والعليا، والقصيا، وهديا، ومعيا، ومحيا، وعام حياً ورؤيا، وسقيا، فإنك لا تكتب الألف فيها ياءً كراهة أن تجتمع ياءان في الخط. نعم يغتفر ذلك في نحو: يحيى وريى علمين، للفرق بين يحيى علماً وبينه فعلاً وبين ريى علماً وبينه وصفاً وكان البدل في العلم دون الوصف والفعل لأن الفعل والصفة أثقل.
قال ابن قتيبة: وأحسبهم اتبعوا في يحيى رسم المصحف.
فلو كان مهموزاً، نحو: مستقرأ ومستنبئا، أو قبل آخره ياء نحو: خطايا، وزوايا، وركايا، والحوايا، والحيا، وما أشبهه كتب بالألف.
الحال الثاني- أن تكون الألف فيه ثالثةً، فإن كانت مبدلة عن ياء، نحو: فتى، ورحى، وسوى، والهدى، والمدى للغاية، والهوى لهوى النفس، وندى الأرض، وندى الجود، وحفى الدابة، والكرى: النوم، والقذى، والأذى، والخنى: فحش القول، والضنى: المرض، والردى: الهلاك، والطوى: الجوع، والأسى: الحزن، والعمى: في القلب والعين، والجنى: جنى الثمرة، والصدى: العطش، والشرى: في الجسد، والضوى: الهزال، والثرى: التراب الندي، والجوى: داء في الجوف، والسرى: سير الليل، والسلى: سلى الناقة، ومنى: المكان المعروف، والمدى الغاية، والصدى: اسم طائر يقال إنه ذكر البوم، والنسى: عرق في الفخذ، وطوى: وادٍ، والوغى: الحرب، والوحى: العجل، والورى: الخلق، والذرى: الناحية وأنا في ذرى فلان، والمعى واحد الأمعاه، والحجى والنهى: العقل، والحشى واحد الأحشاء، وما أشبه ذلك كتب بالياء.
وإن كانت متقلبة عن واو، نحو عصا، ومنا للقدر، ورجا لجانب البئر، والقنا في الأنف، والرما والقرا للظهر، والعشا في العين، والقفا: قفا الأنسان، والصغا: ميلك للرجل، ووطا جمع وطاة، ولهاً جمع لهاة، والفلا جمع فلاة، كتب بالألف.
وتفترق الواو من الياء فيه بطرق أقربها التثنية تقول في الأول: فتيان ورحيان، وسويان.
قال ابن قتيبة: فلو ورد عليك اسم قد ثني بالواو والياء عملت على الأكثر الأعم.
وذلك نحو رحى، فإن من العرب من يقول: رحوت الرحاء، ومنهم من يقول: رحيت، قال: وكتبها بالياء أحب إلي لأنها اللغة العالية.
وكذلك الرضا، من العرب من يقول في تثنيته: رضيان، ومنهم من يقول رضوان، قال: وكتابه بالألف أحب إلي، لأن الواو فيه أكثر، وهو من الرضوان.
وكذلك الحكم في متى، لأنها لو سمي بها وثني، لقلت متيان، فيعلم أنه من ذوات الياء.
وتقول في الثاني: عصوان ومنوان ورجوان، فيعلم أنه من ذوات الواو. فإذا أشكل عليك شيء فلم تعلم أهو من ذوات الواو أو من ذوات الياء، نحو خسا بالخاء المعجمة والسين المهملة، كتبته بالألف لأنه هو الأصل.
ومنهم من يكتب الباب كله بالألف على الأصل وهو أسهل للكتاب، وعلى تقدير كتبها بالياء، فلو كان منوناً فالمختار عندهم أنها تكتب بالياء أيضاً، وهو قياس المبرد، وقياس المازني أن يكتب بألف إذ هي ألف التنوين عنده في جميع الأحوال.
وقاس سيبويه المنصوب بالألف لأنه للتنوين فقط.
قال ابن قتيبة: وتعتبر المصادر بأن يرجع فيها إلى المؤنث، فما كان في المؤنث بالياء كتبته بالياء: نحو: العمى، والظمى، لأنك تقول: عمياء وظمياء، وما كان المؤنث فيه بالواو كتبته بالألف، نحو العشا في العين، والعثا وهو كثرة شعر الوجه، والقنا في الأنف، لأنك تقول: عشواء، وقنواء، وعثواء.
قال: وكل جمع ليس بين جمعه وبين واحده في الهجاء إلا الهاء من المقصور، نحو الحصى، والقطا، والنوى، فما كان جمعه بالواو كتبته بالألف، وما كان جمعه بالياء كتبته بالياء.
وكتبت لدى بالياء لانقلابها ياء في لديك.
وأما كلا، فالصحيح من مذهب البصريين أنها تكتب بالألف، لأن ألفه عن واو، ومن زعم أنها عن ياء كالمعى، كتبها بالياء. وأجاز الكوفيون كتبها بالياء وهو خطأ على مذهبهم، لأن الألف عندهم للتثنية، وألف التثنية لا يجوز أن تكتب ياءً لئلا يلتبس المرفوع بغيره. وقياس كلتا عند البصريين أن تكتب ياءً، وشذ كتابتها بالألف.
قال ابن قتيبة: والذي أستحبه أن تكتب كلا وكلتا في حال الرفع بالألف، وفي حالتي الجرّ والنصب بالياء، فإذا قلت: أتاني كلا الرجلين أو كلتا المرأتين، كتبته بالألف، وإذا قلت: رأيت كلي الرجلين أو كلتي المرأتين كتبته بالياء، لأن العرب قد فرقت بينهما في اللفظ فقالوا: رأيت الرجلين كليهما، ومررت بالرجلين كليهما، ومررت بالمرأتين كلتيهما، وقالوا: جاءني الرجلان كلاهما، والمرأتان كلتاهما.
وتترى إن لم تنوّن فألفها للتأنيث، وإن نوّنت فهي للإلحاق؛ وقياسها أن تكتب بالياء. ومن زعم أنه فعل، فألفه بدل التنوين كألف صبرا، فهو قياسه.
ووقع في كلام ابن البادس أن تترى في الخط بياء، وهو خلاف المعروف.
تنبيه لو اتصل الاسم الذي يكتب بالياء بضمير متصل، نحو: رحاك، وقفاك، وملهاك، ومرعاك، فقيل يكتب بالياء كحال عدم اتصالها، فيكتب على هذه الصورة: رحيك، وقفيك، وملهيك، ومرعيك.
قال الشيخ أثير الدين أبو حيّان رحمه الله: واختيار أصحابنا فيه بالألف إذا اتصل به ضمير خفض أو ضمير نصب، سواء كان ثلاثيّاً أم أزيد، إلا إحدى خاصةً فإنها تكتب بالياء حال اتصالها بضمير الخفض، نحو من إحديهما كحالها دون الأتصال.
واختلفوا إذا اتصلت بتاء تأنيث تنقلب هاء في الوقف، فذهب البصريون إلى كتابتها ألفاً، نحو الحصاة، واختار الكوفيون كتابتها بالياء نحو الحصية.
الحال الثالث- أن تكون الألف فيه ثانية، نحو ما وذا إذا كانا اسمين، فيكتب بالألف على صورة النطق به.
المحل الثاني الفعل وله حالان:
الحال الأول- أن تكون الألف فيه رابعةً فصاعداً، نحو: أعطى، واستعلى، وتداعى، وتعادى، وأستدنى، وما أشبهه، فتكتبه كله بالياء إلا أن يكون مهموزاً، نحو: أخطأ، وأنبأ وتخاطأ، واستنبأ، فإنه يكتب بالألف، وكذلك إذا كان قبل آخره ياءٌ، نحو: استحيا، وتحايا، وأعيا، وتعايا، واستعيا، وما أشبهه، فإنك تكتبه بالألف.
ووقع في بعض المصاحف: {نخشى أن تصيبنا دائرةٌ} بالألف في آخر نخشى، وفي بعض المصاحف بالياء.
الحال الثاني- أن تكون الألف ثالثةً، فترده إلى نفسك، فإن ظهرت فيه الواو فاكتبه بالألف، نحو قولك: عدا، ودعا، ومحا، وغزا، وسلا، وعلا من العلو، لأنك تقول: عدوت، ودعوت، ومحوت، وغزوت، وسلوت، وعلوت. وشذ زكي، فكتب بالياء وإن كان من ذوات الواو، لأنه من زكي يزكو، إلا أن العرب يميلون الأفعال ذوات الواو، وإن ظهرت فيه فاكتبه بالياء، نحو قولك: قضى ومشى، وسعى، وعسى، لأنك تقول: قضيت، ومشيت، وسعيت، وعسيت، ويجوز كتابته بالألف أيضاً.
تنبيه لو اتصل بالفعل ضمير متصل، نحو: رماه، وجزاه، ورعاه، فقيل يكتب على حاله بالياء، فيكتب على هذه الصورة: رمية، وجزية، ورعية، والصحيح كتابته بالألف.
قال ابن قتيبة: وكل ما لحقته الزيادة من الفعل لم تنظر إلى أصله، وكتبته كله بالياء، فتكتب أغزى فلان فلاناً، وأدنى فلان فلاناً، وألهى فلان فلاناً، بالياء، وهو من غزوت، ودنوت، ولهوت، لأنك تقول فيه: أغزيت، وأدنيت، وألهيت.
وكذلك تكتب يغزى، ويدنى، ويلهى، على البناء لما لم يسم فاعله بالياء، لأنك تقول في تثنيته: يغزيان، ويدنيان، ويدعيان.
المحل الثالث بعض الحروف:
واعلم أن الحرف الذي في آخره ألف في اللفظ إنما يكتب ألفاً على صورة لفظه، نحو: ما، ولا، والأ، وما أشبهها، واستثنوا من ذلك أربع صور فكتبوها بالياء: إحداها- بلى، قال بعض النحاة: لإمالتها، وقال سيبويه: لأنه إذا سمي بها وثنيت قيل بليان كما يقال في متى متيان.
الثانية- إلى، وكتبت بالياء، لأنها ترد إلى الياء في قولهم: إليك.
الثالثة- على، وكتبت بالياء لأنها ترد إلى الياء أيضاً في قولهم: عليك.
قال ابن قتيبة: وكان القياس فيها وفي إلى أن تكتبا بالألف لعدم جواز الأمالة فيهما.
الرابعة- حتى، وكتبت بالياء حملاً على إلى، لكونهما بمعنى الأنتهاء والغاية، ولأنه قد روي فيها الأمالة عن بعض العرب فروعي حكمها.
تنبيه لو وليت ما الأستفهأمية حتى، أو إلى، أو على، كتبن بالألف على هذه الصورة: حتام، والأم، وعلام، لأنها شديدة الأتصال بما الأستفهأمية بدليل أن ما بعدها لا يوقف عليه إلا بذكرها معه، فكأن الألف وقعت وسطاً فصارت كحال ما كتب بالياء إذا اتصل بضمير خفض أو ضمير نصب، فإنه يكتب بالألف.
قال الشيخ أبو عمرو بن الحاجب رحمه الله: فإن وصل في حتام وإلى الهاء الحائرة، فلك أن تجريها على الأتصال ولا تعتد بها، ولك أن تعتد بها وترجع الألف في حتى، وإلى، وعلى، إلى أصلها، فتكتب بالياء يعني على هذه الصورة حتى مه، وإلى مه، وعلى مه.
فائدة قد يكتب بالياء ما هو من ذوات الألف للمجاورة كما في قوله تعالى: {والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى} فإن الضحى ونحوه قياسه عند البصريين أن يكتب بالألف لأنه من ذوات الواو، ولكنه كتب بالياء لمجاورة سجى، وسجى وإن كان من ذوات الواو أيضاً، كتب بالياء لمجاورة قلى الذي هو من ذوات الياء، فسجى مجاور، والضحى مجاور المجاور.
وأما الواو فقد نابت عن الألف في مواضع من رسم المصحف الكريم، وهي: الصلاة، والزكاة، والحياة، والنجاة، ومشكاة، ومناة، فتكتب على هذه الصورة: الصلوة، والزكوة، والحيوة، والنجوة، ومنوة، ومشكوة. فمنهم من كتبها كذلك في غير المصحف أيضاً اتباعاً للسلف في ذلك؛ ومنهم من كتبها بالألف وهو القياس، ووجه بأن رسم المصحف متبع في القرآن خاصةً، ولا يكتب شيء من نظائر ذلك إلا بالألف: كالقناة، والقطاة، اقتصاراً على ما ورد به الرسم السلفي.
قال ابن قتيبة: وقال بعض أهل الأعراب: إنهم كتبوا هذه الكلمات بالواو على لغات الأعراب، وكانوا يميلون في اللفظ بها إلى الواو شيئاً. وقيل: بل كتبت على الأصل، إذ الأصل فيها واو، لأنك إذا جمعت قلت: صلوات، وزكوات، وحيوات، وإنما قلبت ألفاً، لما انفتحت وانفتح ما قبلها.
قال: ولولا اعتياد الناس لذلك في هذه الأحرف الثلاثة، أي الصلاة والزكاة، والحياة، لكان من أحب الأشياء إلي أن تكتب كلها بالألف. وجمعوا في الربا بين العوض والعوض منه، فكتبوه بواو وألف بعدها على هذه الصورة: الربوا. وفي بعض المصاحف: {وما آتيتم من رباً} بألف بغير واو، وما سواه فلا خلاف فيه.
تنبيه لو اتصل بشيء مما أبدلت ألفه واواً ضمير، نحو صلاتهم، وزكاتهم، وحياتك، ونجاته، ومشكاته، ورباه، كتبت بالألف دون الواو؛ والله أعلم.
القسم الثاني ما ليس له صورة تخصه:
وهو الهمزة، إذ تقع على الألف والواو والياء، وعلى غير صورة؛ ولها ثلاثة أحوال:
الحال الأول: أن تكون في أول الكلمة:
فتكتب ألفاً بأيّ حركة تحركت، كم فتحة مثل: أحمد، وأيوب، وأحد؛ أو ضمة نحو: أخذ، وأكرم، وأوحي، وأولئك؛ أو كسرة نحو: إبراهيم، وإسماعيل، وإسحق، وإثمد، وإبل، وإذ، وإلى، والأ، وإمّا، سواء في ذلك همزة القطع مثل: أكرم، وهمزة الوصل مثل: اتخذ، والهمزة الأصلية مثل: امريءٍ، والهمزة الزائدة مثل: إشاح، وذلك لأن الهمزة المبتدأة لا تخفف أصلاً من حيث إن التخفيف يقرّبها من الساكن، والساكن لا يقع أوّلاً، فجعلت لذلك على صورة واحدة، واختصت الألف بذلك دون الياء والواو حيث شاركت الهمزة في المخرج، وفارقت أختيها في الخفّة، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الهمزة مبتدأةً كما في الصور المذكورة، أو تقدّمها لفظ آخر، نحو: {سأصرف عن آياتي} وفبأيّ، وأفأنت، وبأنه، وكأنه وكأين، وبإيمان، ولإيلاف، ولبإمام، وسأترك، ولأقطعن، ومررت بأحمد، وجئت لأكرمك، واكتحلت بالأثمد، إلا فيما شذّ من ذلك، نحو هؤلاء، وابنؤمّ ولئن، ولئلاّ، ويومئذ، وحينئذ، وما أشبهها، فإنه كان القياس أن تكتب الهمزة فيها ألفاً لأنها وقعت أوّلاً، لكنهم خالفوا فكتبوا همزة هؤلاء، وابنؤمّ بالواو، وإن كانت في الحقيقة مبتدأة بدليل أن ها حرف تنبيه وهو منفصل عن اسم الأشارة. وكذلك ابنٌ اسم أضيف إلى الأم، لكنهم شبهوها بهمزة لؤم، فكتبوها بالواو، وراعوا في ذلك كثرة لزوم هاء الأشارة، وعدم انفكاك ابنؤم الواقع في القرآن، فكأنها صارت همزة متوسطة. وكتبوا همزة لئن، ولئلا، وحينئذ، ويومئذ، وما أشبهها ياء وإن كانت أوّل كلمة، وكان القياس أن تكتب بالألف، أما لئن، فلأن أصلها لأن بلام ألف ونون، وأما لئلاّ، فلأن أصلها لأن، بلام ألف ونون منفصلة من لا، بدليل أنهم إذا لم يجيئوا بعدها بلا، كتبوها لأن، نحو جئت لأن تقرأ، لكنهم جعلوا اللام مع أن كالشيء الواحد. وكذلك حينئذ، ويومئذ، فإن الأصل أن ينفصل الظرف المضاف للجملة التي بقي منها إذٍ المنوّنة تنوين العوض وأن يكتب بالألف، لكن جعل الظرف مع إذٍ كالشيء الواحد، فوصل بإذ، وجعلت صورة الألف ياءً كما جعلوها في يئس. وكذلك الحكم في كل ظرف أضيف إلى ما ذكر، سواء المفرد، كالأمثلة المذكورة، والجمع نحو أزمانئذٍ. وسيأتي الكلام على ما يتعلق من ذلك في الفصل والوصل إن شاء الله تعالى.
الحال الثاني: أن تكون متوسطة؛ ولها حالتان:
الأولى- أن تكون ساكنة، فلا يكون ما قبلها إلا متحركاً وتكتب بحركة ما قبلها، فإن كان ما قبلها مفتوحاً، كتبت ألفاً نحو: رأس، وكأس، وبأس، ويأس، وضأن، وشأن، ودأب، وتأمر، وتأكل. وإن كان ما قبلها مضموماً، كتبت واواً، نحو، مؤمن، ونؤمن، وتؤوي، وتؤتي، ومؤتي، ويؤفك، وما أشبهها. وإن كان ما قبلها مكسوراً، كتبت ياء، نحو: بئر، وذئب، وبئس، وأنبئهم، ونبئنا، وجئت، وجئنا، وشئت، وشئنا، ولملئت، وما أشبهها.
الثانية- أن تكون الهمزة متحركة؛ والنظر فيها باعتبارين: الأعتبار الأول- أن يكون ما قبلها ساكناً، وحينئذ لا يخلو، إما أن يكون حرفاً من حروف العلة وهي الألف والواو والياء أو حرفاً صحيحاً. فإن كان الساكن الذي قبلها حرف علة نظر إن كان حرف العلة ألفاً، فإن كانت حركة الهمزة فتحةً، فلا تثبت للهمزة صورة نحو: ساءل، وأبناءنا، وأبناءكم، ونساءنا، ونساءكم، وجاءنا وجاءكم، وساءل، فاعل من السؤال وما أشبهه. وإن كانت ضمة تثبت لها صورة الواو نحو: التساؤل، وآباؤكم، وأبناؤكم، وأولياؤكم، وبآبائنا، وشبه ذلك؛ وإن كان حرف العلة واواً أو ياءً، فإما أن تكون زائدتين للمد، أو تكون الياء للتصغير أو أصليتين أو ملحقتين بالأصل. فإن كانتا زائدتين للمد نحو: خطيئة، ومقروءة، وهنيئاً مريئاً، أو ياء تصغيرٍ نحو: أفيئس تصغير أفؤس جمع فاسٍ، فلا صورة للهمزة. وإن كانتا أصليتين نحو: سوءة، وهيئة، أو ملحقتين بالأصل نحو: جيل وهو الضبع، وحوءبة وهو الدلو العظيم، والحوءب اسم موضع، والسموءل اسم رجل، فإنك تحذفها وتنقل حركتها إلى الساكن قبلها فتقول: سوة، وهية، وجيل، وحوبة، وحوب وسمول. ولا صورة للهمزة حينئذ في تحقيقها ولا في حذفها. وإن كان الساكن الذي قبلها حرفاً صحيحاً نحو: المرأة، والكمأة، ويسأم، ويسئم، ويلؤم ونحو ذلك، فتنقل حرة الهمزة إلى الساكن قبلها وتحذف الهمزة. والأحسن الأقيس إلا تثبت لها صورة في الخط لا في التحقيق ولا في الحذف والنقل.
ومنهم من يجعل صورتها الألف على كل حال، فيكتبها على هذه الصورة: المرأة والكمأة، ويسأم، ويسإم، ويلأم، وهو أقل استعمالأ. وقد كتب منه حرف في القرآن بالألف، وهو قوله تعالى: {يسألون عن أنبائكم}.
ومنهم من يجعل صورتها على حسب حركتها، فيكتب المرأة، والكمأة، ويسأم، بالألف، ويكتب يسئم بالياء، ويكتب يلؤم بالواو. واستثنى بعضهم من ذلك ما إذا كان بعدها حرف علة نحو: سئول، ومشئوم فلم يجعل لها صورة أصلاً، وإذا كان مثل: رءوس يكتب بواو واحدة فلا صورة لها. وكذلك الموءودة في قوله تعالى: {وإذا الموءودة سئلت}، على ما كتبت في المصحف بواو واحدة لا يجعل لها صورة.
الأعتبار الثاني- أن يكون ما قبلها متحركاً فينظر إن كانت مفتوحة مفتوحاً ما قبلها، كتبت ألفاً نحو: سأل، ورأيت، ورأوك، وبدأكم، وأنشأكم، وقرأه، وليقرأه، وشبه ذلك، إلا أن كان بعدها ألف فلا صورة لها نحو: مئال ومئاب. وذهب بعضهم إلى أنها تصور ألفاً فتكتب بألفين. وإن كانت مفتوحة مكسوراً ما قبلها نحو: خاطئة، وناشئة: وليبطئن، وموطئاً، وخاسئاً، وينشئكم، وشانئك، صورت بمجانس ما قبلها وهو الكسرة فتصور ياء. وإن كانت مفتوحة، مضموماً ما قبلها نحو: الفؤاد، والسؤال، ويؤده إليك، ويؤلف، ومؤجلاً، ومؤذن، وهزؤاً، وشبهه، صورتها بمجانس ما قبلها، وإن كانت مضمومة، مضموماً ما قبلها،، نحو: نؤم، كصبرٍ جمع صبور، أو مضمومة، مفتوحاً ما قبلها نحو: لؤم، كتبت بالواو في الحالتين، إلا إن كان بعدها في الصورتين واو نحو: رءوس، ونئوم؛ وإن كانت مضمومة، مكسوراً ما قبلها نحو: يستهزءون، وأنبئكم، ولا ينبئك، وسنقرئك، كتبت بواو على مذهب سيبويه، وياء وواو بعدها على مذهب الأخفش.
الحال الثالث: أن تكون الهمزة آخراً:
ولها حالتان أيضاً:
الحالة الأولى أن يكون ما قبلها ساكناً، والنظر فيها باعتبارين:
الأعتبار الأول- أن يكون ما قبلها صحيحاً، فتحذف الهمزة وتلقى حركتها على ما قبلها ولا صورة لها في الخط نحو: جزء، وخبء، ودفء، والمرء، وملء. سواء في ذلك حالة الرفع والنصب والجر. وقيل: إن كان ما قبل الساكن مفتوحاً، فلا صورة لها، وإن كان مضموماً، فصورتها الواو، وإن كان مكسوراً، فصورتها الياء مطلقاً. وقيل: إن كان مضموماً أو مكسوراً فعلى حسب حركة الهمزة، فيكتب الجزء والدفء بالواو في الرفع وبالألف في النصب وبالياء في الجر. وإن كان شيء من ذلك منصوباً منوناً فيكتب بألف واحدة، وهي البدل من التنوين. وقيل: يكتب بألفين، إحداهما صورة الهمزة، والأخرى صورة البدل من التنوين.
الأعتبار الثاني- أن يكون ما قبلها معتلاً، فينظر إن كان حرف العلة زائداً للمد، فلا صورة لها نحو نبيء، ووضوء وسماء، والسوء، والمسيء، وقراء، وشاء، ويشاء، والماء، وجاء، إلا إن كان منوناً منصوباً، فيكتبه البصريون بألفين، والكوفيون وبعض البصريين بواحدة، وهذا إذا كان حرف العلة ألفاً نحو: سماء، الألف الواحدة حرف العلة، والأخرى البدل من التنوين. فإن اتصل ما قبله ألف بضميرٍ مخاطب أو غائب، فتصور الهمزة واواً رفعاً نحو: هذا سماؤك، وياء جراً نحو: نظرت إلى سمائك، وألفاً واحدة هي ألف المد نصباً نحو: رأيت سماءك. أما إذا كان حرف العلة ياءً أو واواً نحو: رأيت وضوءاً، فيكتب بألف واحدة. وإن كان حرف العلة غير زائد للمد، فلا صورة للهمزة في الخط.
الحالة الثانية أن يكون ما قبلها الهمزة متحركاً:
فتكتب صورة الهمزة على حسب الحركة قبلها، فإن كانت الحركة فتحة، رسمت ألفاً نحو، بدأ، وأنشأ ومن سبإ بنبإ والملأ، ويستهزأ، على البناء للمفعول، وينشأ كذلك، ورأيت أمراً وما أشبهه. وإن كانت كسرة رسمت ياء نحو: قريء، واستهزيء، ولكل امريءٍ، ومن شاطيء، ويستهزيء، على البناء للفاعل، وبريء ومررت بامريء. وإن كانت ضمة، رسمت واواً نحو: امرؤ، واللؤلؤ، وما أشبه ذلك، إلا في مثل النبأ إذا كان منصوباً منوناً فقيل: يكتب بألفين نحو: سمعت نبأا، وقيل: بواحدة وهي الأولى. وإن اتصل بها ضمير فعلى حسب الحركة قبلها كحالها إذا لم يتصل بها ضمير. وقيل: إن كان ما قبلها مفتوحاً فبألف، نحو: لن يقرأ، إلا أن تكون هي مضمومة فبواو، إن قلنا بالتسهيل بين الهمزة والواو، وبالياء إن قلنا بإبدالها ياء، وقيل: إن انضم ما قبلها أو انكسر، فكما قيل الأتصال بالضمير، فتجعل صورتها على حسب الحركة قبلها. وإن انفتح ما قبلها وانفتحت فبالألف، نحو: لن يقرأ، وكذلك إذا انفتح ما قبلها وسكنت نحو: لم يقرأ، ولم ينبأ، واقرأ، وإن نشأ وما أشبهه. وإن انفتح ما قبلها وانضمت فبالواو، نحو: يقرؤ، وقيل: بالواو والألف كما كتبوا في المصحف: {قل ما يعبؤا} و{نبؤا الخصم} {ويبدؤ الخلق} {أو من ينشؤا} بواو وألف في الجميع. أو انكسرت فبالياء، نحو: من المقريء، وقيل بها وبألف كما كتبوا في المصحف: {من نبأي المرسلين} بألف وياء.
تنبيه قد تقدم بالحذف أن همزة الوصل تحذف في بعض مواضع وتثبت فيما عداها. فحيث تثبت، كتبت بحسب حالها إذا ابتدئ بها، فإن كانت يبتدأ بها مضمومة، كتب ما يليها واواً إن كانت همزة أو واواً مبدلة منها، نحو: اؤتمن فلان، وقلت لك أؤمر فلاناً بكذا؛ وإن كانت يبتدأ بها مكسورة، كتب ما يليها ياءً إن كانت همزة أو ياءً مبدلة منها، نحو: ائذن لي يا زيد، ائت القوم، ائت عليهم كذلك وإن كان النطق بها واواً بضم ما قبلها، نحو: {ومنهم من يقول ائذن لي} تكتبه ياءً على الهمزة في الأبتداء بها، ويستثنى فاء افعل من نحو يوجل مثل يوسن فإنها تكتب واواً بعد الواو والفاء كما في قولك فاوجل، واوجل، يكتبان بإثبات ألف الوصل والواو بعدها، ولم يكتبوها على ابتداء الهمزة. أما بعد غير الواو والفاء، فإنها تكتب بحسب الأبتداء بها، نحو: قلت لها ايجلي، أو ثم ايجلي، وقلت لكم ايجلوا، فإنك تلفظ به واواً وتكتبه ياءً للانفصال؛ وإن كانت قبلها كسرة كانت ياءً لفظاً وخطاً، نحو: قلت لك ايجلي، وكذلك إذا ابتديء بهمزة الوصل، نحو: ايجلي يا هند.
واعلم أنه إذا وقعت همزة استفهام وبعدها همزة قطع صورت همزة القطع بعدها بمجانس حركتها. فإن كانت الحركة فتحة كتبت ألفاً، نحو: أأسجد، وإن كانت الحركة ضمة كتبت واواً، نحو: أؤنزل، وإن كانت الحركة كسرة كتبت ياء، نحو: أئنك لأنها إذا خففت بالبدل كان إبدال المفتوحة ألفاً، وإبدال المضمومة واواً، وإبدال المكسورة ياء، وقد تحذف المفتوحة خطاً فتكتب بألف واحدة، نحو: أسجد كما في رسم المصحف.
واختلف في الساقطة من الهمزتين والحالة هذه، فقيل الثانية، وهو قول أحمد بن يحيى، وقيل الأولى وهو قول الكسائي.
فلو كانت ثلاث ألفات في اللفظ، نحو قوله تعالى: {أآلهتنا خيرٌ} فقال أحمد بن يحيى: تكتب بواحدة.
واختلف في الثابتة، فذهب الفراء وثعلب وابن كيسان إلى أنها الأستفهأمية لأنها حرف معنًى. وحكى الفراء عن الكسائي: أنها الأصلية، وحكاه ابن السيد عن غير الكسائي وحكي عنه أنها ألف الجمع.
وقد تكتب غير المفتوحة ألفاً، نحو قوله: أإنك، لأن الألف هي الأصل، والهمزة حرف زائد لمعنىً كالواو والفاء فلا يعتد به، لكنه قليل؛ والله أعلم.